كلمة تأمّل للبطريك الراعي في افتتاحية تساعية الميلاد

متفرقات

كلمة تأمّل للبطريك الراعي في افتتاحية تساعية الميلاد

 

 

كلمة تأمّل في افتتاحية تساعية الميلاد

 

 

 

فخامة الرئيس 

 

1. يسعدنا وقدس الأباتي مارون أبو جوده الرئيس العام للرهبانيّة الأنطونيّة الجليلة والأب ميشال الجلخ رئيس دير سيّدة الزروع - الجامعة الأنطونيّة وأسرتها، أن نفتتح، مع فخامتكم وعقيلتكم السيدة اللبنانية الأولى والعائلة، تساعية عيد الميلاد، بمشاركة هذا الجمهور المميّز، ونصوغ لكم أخلص التهاني والتمنيات، وأنتم تقودون سفينة الوطن نحو الميناء الآمن.

 

2. التساعيّة مسيرةٌ روحيّة بالصلاة وروح التوبة نستعدّ فيها، ليس فقط لإحياء ذكرى ميلاد ابن الله لخلاصنا وفداء الإنسان، بل وبخاصّة لميلاده في كياننا. فنقبله كلمة في قلوبنا، كما قبلته مريم بإيمان ورجاء وحبّ في أحشائها. ومثلما أعطته جسدًا بشريًّا، نعطيه نحن حضورًا فاعلًا بأعمالنا الصالحة، وبمبادرات محبة ورحمة وعدالة وسلام، حيثما كنا.

 

3. في سرّ الميلاد، وأمام دعة المغارة، نتأمّل ونسجد لمحبة الله العظمى المتجلّية بالمسيح. هو الله انحدر إلينا ليرفعنا إليه. فالرسالة إلى العبرانيّين تؤكّد أنّ "المسيح شاركنا في طبيعتنا، حتى يكون رئيس كهنة، رحومًا أمينًا، يكفّر بموته عن خطايا الشعب، ويحرّره من عبودية الموت" (راجع عبرا 2: 14-15 و17).

 

المسيح الذي وُلد هو الفادي الذي سيموت على الصليب فدىً عن كلّ إنسان، والذي سيقوم من بين الأموات ويبرّرنا ويجعلنا في حالة قيامة، ويكوّن منّا جماعة الرجاء. فلا يأسٌ ولا قنوط، بل شجاعة وطمأنينة بوجه الشدائد والمحن والمصاعب.

 

4. نحمل في صلاتنا مدينة القدس التي على أرضها تمّ عمل خلاصنا والفداء، وتجلّى سرُّ الله الواحد والثالوث، وفيها ولُدت الكنيسة ومنها انطلقت على هدي الروح القدس تحمل إنجيل المسيح، إنجيل المحبة والأخوّة والسلام إلى العالم كلّه. نصلّي كي يُصار إلى تراجع الرئيس الأميركي عن قراره الذي به يعلن المدينة عاصمة لإسرائيل محتلتها، ويأمر بنقل السفارة الأميركية إليها. وهو بذلك يرمي إلى تهويدها، وإلى تحويلها من "مدينة السلام"، كما تعني لفظة "أورشليم" إلى أرض حرب وبغض ونزاع. نصلّي لكي تعود وتصير مدينة مفتوحة للديانات التوحيدية الثلاث، بحيث تُصان فيها الحرية الدينية وحرية العبادة للجميع، وتُحمى جميع أماكن العبادة وممتلكاتها، ويكون الوصول إليها متاحًا للجميع. فالمدينة المقدّسة إرث للبشرية جمعاء.

 

5. الميلاد حركة انحدارية من الله نحونا، وتصاعدية من كلّ واحد وواحدة منّا نحوه. هو الله يأتي إلينا، لكي نستطيع نحن أن نذهب إليه، وقد قال لنا: "لا أحد يأتي إلى الآب إلّا بي" (يو6: 14). لقد فتح لنا بجسده ودمه طريقًا جديدًا حيًّا (عبرا10: 19-20). نحن مدعوّون لنسلك هذا الطريق، المعروف بطريق "اتّباع المسيح" والسَّير على خطاه في تواضعه وطاعته لإرادة الآب من جهة، وفي السموّ بالترقّي على سلّم الفضائل نحو قمم الروح من جهة ثانية.

 

6. ليس اتّباع المسيح محصورًا بالمكرَّسين والمكرّسات في الحياة الرهبانيّة، ولا بالذين كرّسوا ذواتهم للخدمة الكهنوتيّة - وهو واجب أساسي نذروا له ذواتهم – لكنّه ايضًا واجب على كلّ مؤمن ومؤمنة بحكم المعمودية والميرون، في مختلف ظروف حياته وحالاته ومسؤولياته. هذا الواجب كفيل بتحريرنا من الازدواجية البغيضة: اتّباع المسيح بالانتماء من دون التضحية بشيء؛ الصلاة من دون اللّقاء الوجداني مع الله؛ حياة اجتماعية من دون شركة الروح والقلب؛ طاعة لله وللرؤساء من دون التزام؛ محبة من دون أفعال.

 

فكما في الميلاد اتّحدت الطبيعتان الإلهيّة والإنسانيّة في شخص المسيح، هكذا ينبغي أن نجمع نحن في واحد الإيمان والأعمال، الهوية والرسالة، المسؤوليّة والواجب، لمجد الثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الابد، آمين.

 

 

 

 

موقع بكركي.